إنّ كل المشاعر الإيجابية التي تعترينا من فرح و بهجة و انتماء و التي يمكن ان نلخصها بكلمة واحدة, “سعادة”, تسببها نواقل كيميائية عصبية “Chemicals” معروفة بهرمونات السعادة.
عندما يتم ذكر هرمون السعادة فإن أغلب المراجع و المقالات تنفرد بالحديث عن هرمون معين دون البقية, لكن الحقيقة ان هنالك اربعة هرمونات رئيسية تلعب الدور الاكبر في هذا الموضوع و هي: الأندورفين, الدوبامين, السيراتونين و الأوكسيتوسين.
و لكن, ما هي الطريقة المثلى لتحفيز الجسم على إفراز هذه المواد و كيف تؤثر كل من هذه الهرمونات على الانسان؟
في الحقيقة, ان التعرض لأشعة الشمس و تناول بعض الأغذية التي تحتوي على كربوهيدرات بطيئة الامتصاص او الهضم ( تعرف بالسكريات المعقدة ) ناهيك عن تناول الشوكولا الداكنة يساعد الجسم على افراز هذه النواقل الكيميائية, و لكن ما نحن بصدد مناقشته في هذا المقال مختلف عن هذا الاتجاه و يسلط الضوء على عوامل نفسية و جسدية شديدة الأهمية و التأثير على هذه العملية.
الأندورفين (Endorphins):
الأندورفين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالأنشطة الفيزيائية كالجري و ممارسة التمارين في النادي و بصورة عامة اي نشاط بدني, ويمتلك مهمة واحدة أساسية ألا و هي “تجميل الألم الجسدي او الفيزيائي”. بمعنىً أدق, الأندورفين هو ذلك الشعور الجميل الذي ينتابنا عندما نضغط على العضلات و الجسم لكي يعطينا المزيد و هو نفس الشعور الذي يجعلنا نحس بقمة الانجاز عند الانتهاء من ذاك النشاط الرياضي.
على الرغم من احساسنا بالألم جراء القيام بهذه الأنشطة و على الرغم من احساسنا بألم أكبر في العضلات بعد ساعات من انتهاء نشاط بدني لم يعتد عليه الجسم في الآونة الأخيرة, إلا أن هذا الشعور بالألم دائماً ما يكون مصاحب بلذة و سعادة ناتجة عن علمنا بأنه ثمرة مجهوداتنا الشخصية. الأندورفين هو المسبب لكل ذلك, و نستطيع ان نجادل انه ايضا مسؤول عن الاحساس الجميل المصاحب للضحك حيث ان الضحك يحرك و يحفز أعضاء داخلية في الجسم بينما يعمل الأندورفين على تجميل الاحساس بالألم البسيط المصاحب لتحفيز تلك الأعضاء و الدليل أنه عندما تكون سرعة إفرازه اضعف من شدة الضحك نحس بألم في مناطق معينة و لا نعود نتحمل المزيد!
الدوبامين (Dopamine):
الدوبامين هو ذلك الشعور الذي ينتابنا عندما ننجز مهمة من قائمة مهامنا, عندما نحقق هدف معين, عندما نتناول الطعام الذي نحب, عندما نشاهد برنامجنا التلفزيوني المفضل و القائمة تطول. إنه ما يجعلنا نركز و نسعى وراء شيء معين بشدة. على سبيل المثال, عندما يكون لدينا هدف كبير كالتخرج من الجامعة, كلما أنجزنا جزء من هذا الهدف, كلما زاد تركيزنا و تعلقنا بإكمال المهمة على أفضل وجه.
الدوبامين هرمون شديد التأثير على حياتنا اليومية و يعتبر سلاح ذو حدين حيث أنه نفسه المسؤول عن ادمان التدخين والمخدرات و الكحول و عادات سلبية اخرى. هل تساءلتم يوماً لماذا لا نستطيع الابتعاد عن أجهزتنا المحمولة و الانترنت؟؟ ان الشعور بالتعلق و الحب لهذه الأشياء سببه هذا الهرمون حيث أن معظمنا يحس بالسعادة عن طريق تصفح وسائل التواصل الاجتماعي, النظر الى عدد ال “Likes” التي نحصل عليها على منشور معين على فيسبوك و استلام رسائل من اشخاص نحبهم او نعجب بهم. انه نفس الدافع الذي يدفعنا احياناً الى محاولة ارسال عشر رسائل على سبيل المثال إلى عشرة أصدقاء و انتظار رد أحدهم و الشعور بالسعادة بعدها.
إن الدوبامين و حتى يساعدنا على انجاز اهداف و مهام معينة, من المهم ان تكون هذه الأخيرة ملموسة و قابلة للتحقيق و لهذا يصر المهتمون بتطوير الذات على النصح بتحديد هكذا نوعية من الأهداف و كتابتها على الورق حتى نستطيع رؤيتها من آونة إلى أخرى.
المحصلة؟
إن الدوبامين حاله كحال الكثير من الأشياء هي هذه الحياة, كلما كان متوازناً و في قنواته الصحيحة كلما عاد بالنفع و السعادة على الأفراد و العكس صحيح, كلما زاد عن المستوى المناسب و عن طريق سلوكيات و افعال ضارة و غير نافعة كلما كان أثره مدمراً على الأفراد و بالتالي المجتمعات. تبقى أفضل طريقة للابقاء على توازن مناسب هي عن طريق الحصول على الهرمونات الثلاثة الأخرى مما يساهم في وصولنا للسعادة دون الحاجة لطلب ذلك من الدوبامين وحده.
من الجدير بالذكر أيضا أن الهرمونين السابقين يسميان بالهرمونات الأنانية لأننا لا نحتاج أشخاص آخرين لنحصل عليهما كما هي الحال بالنسبة للهرمونين القادمين, يكفي القيام بالجري صباحاً و شطب بعض المهام من قائمة مهامنا اليومية حتى نحصل على جرعة منهما.
السيراتونين (Serotonin):
يعرف بهرمون القيادة “Leadership” لأنه عادةً ما يترافق مع الاهتمام بمن هم تحت دائرة مسؤوليتنا سواءً في الأسرة أو في العمل أو الخ.. أو عادة ما يكون مصاحب للاحساس بالرضا و تحسن الحالة الاجتماعية. هل سألتم أنفسكم يوما لماذا يقام حفل تخرج لخريجي الجامعة عوضا عن ارسال رسالة قصيرة تخبر المتخرجين بانهم اتمو المواد المقررة للتخرج و اصبحو متخرجين من هذه اللحظة؟
ببساطة لان خيار الرسالة لا يمكن ان يقارن أبدا من حيث الشعور المكتسب في حفلات التخرج حيث يصطحب كل طالب من يعتقد ان له فضل في دعمه و حثه الى الوصول الى هذه اللحظة. من الجميل أيضاً ان السيراتونين يكون معدي في هذه اللحظات حيث ان الوالدين عادة ما يشعرو بنفس الاحساس بالرضا و السعادة التي يشعر بها الابن أو الابنة عند التخرج.
إذاً الاهتمام بمن هو حولنا و مساعدتهم و الوقوف الى جانبهم و جعلهم يحسون باننا دائما خلفهم يولد ذلك الاحساس الجميل و يزيد من اواصر المحبة و يقوي المجتمعات سواء المصغرة كالاسرة او الكبيرة كالمجتمع بشكل عام.
الأوكسيتوسين (Oxytocin):
الأوكسيتوسين هو الشعور بالسعادة المصاحب للحب, الثقة و الحياة الاجتماعية السعيدة بشكل عام. انه السبب الذي يدفعنا للجلوس مع أصدقائنا و القيام باي فعل مهما بدا سخيفا او مهماً فقط لاننا بالمقابل نغمر بسعادة بالغة تفوق الوصف.
أحد الطرق للحصول عليه هو التلامس الجسدي كالعناق بين الأصدقاء و الأهل. لا تغفل هذا الجانب من علاقتك بالأهل و الأصدقاء حيث انه حقاً يغمرك بدفعات من السعادة. نفس الأمر ينطبق عند مصافحة الشخص الذي تقوم بتوقيع عقد عمل او عقد معين معه لانه ببساطة ستحس بأن هنالك شيء ناقص اذا لم تقم بهذا. عند الولادة, تفرز كمية كبيرة جداً من الأوكسيتوسين و تنتقل الى جسم الجنين و هي أحد أسباب الرباط الخاص بين الأم و جنينها.
إن “صلة الأرحام” هي من أهم و أكثر الأمور فعالية لافراز هذه المادة حيث ان شعور الحب و الثقة الناتج عن هذه الزيارات عادةً ما يكون مرتبط بشعورنا بسعادة شديدة و رضا عن النفس منقطعي النظير. أبقِ في بالك دائماً أن التحدث مع أطفالك بصبر و فهم مشكلاتهم بطريقة لطيفة و بعيداً عن التعنيف يتسبب في تمتعهم بثقة في النفس و ثقة بك تدفعهم للتصرف بمسؤولية أكبر و البوح بأسرار لم يكونو ليبوحو بها لولا هذه المشاعر.
مما سبق, نرى أن شعورنا بالسعادة مرتبط ارتباطاً وثيقاً بهذه النواقل الكيميائية, و كلما زاد فهمنا و وعينا بالموضوع كلما تسلحنا بأدوات تستطيع فعلاً أن تحسن من جودة حياتنا اليومية على كافة المستويات. لا تنسو أيضاً أنه من المهم الحفاظ على مستويات متوازنة من هذه النواقل حتى نستطيع محاربة التوتر و القلق و العوامل الاخرى التي تعيق نجاحنا و مضينا في الحياة.